اسم الأحواز واسم الأهواز مشكلة مزيفة ومصطنعة

 محمود عبدالله ياسين

  إنَّ المتقدمين من الأحوازيين قبلنا لم يكتبوا نصوصًا كي نستدل بها كحركات سياسية وطنية على وجود مشكلة تخص الاسم، على الرُّغم من أنَّ الكاتب العراقي علي نعمة الحلو طرح في كتابه – الأحواز– عربستان دراسة لجغرافية الإقليم الطبعة الأولى– 1966م، موضوع استعمال اسم الأحواز بدل اسم عربستان وليس بدل اسم الأهواز. وإنَّ الغرض من طرح اسم الأحواز قد كان لإثبات عروبة المنطقة والهوية العربية، ويصرِّح بهذا المعنى، فيكتب: “أدعو جميع العرب إلى استعمال كلمة (الأحواز) في تسمية الإقليم بدلًا عن كل كلمة تطلق عليه. وأتوجه إلى جميع العاملين في قضية الأحواز العربية وشعبها الحُرِّ الثائر إلى الرجوع عن كلمة (عربستان) التي تتصدر كراساتهم ونشراتهم واستعمال(الأحواز) عِوَضًا عنها حتى يستكمل عملهم عروبة”(1).

   وبالتالي نقول إنَّ هذا الطرح كان الغرض منه هو إعادة اسم الأحواز مقابل اسم عربستان للدلالة على عروبة الأحواز وهويتها أو لِنَقُلْ الهوية الوطنية، ولهذا السبب لم يكن الاسم بصيغة الأحواز قد أدى إلى ظهور مشكلة قد عانى منها الأوائل من الأحوازيين ولا وصلت إلينا المشكلة عن هذا الطريق، لا في الستينيات ولا في السبعينيات ولا في الثمانينيات حتى نهاية التسعينيات من القرن العشرين لم نصادف هذه المشكلة. ولا وصل الأمر إلى معاداة اسم الأحواز والانزعاج منه كي نجد له أثرًا من الماضي.

 وبالتالي نرى أنَّ إدخال اسم الأهواز مقابل استعمال اسم الأحواز كون اسم الأهواز هو الصحيح أو أنَّ اسم الأحواز جاء به البعث العراقي هو مجرد طرح مشكلة مزيفة ومصطنعة لا أساس لها، أما الرجوع إلى التاريخ فهو لكونه وحده فقط حامل الدليل، وتجاهلُ تطور الهويات يؤدي إلى جهل مضاعف. نعم إنَّ اسم الأهواز موجود في النصوص العربية الإسلامية كما هو اسم (خوزستان) واسم (الأخواز) واسم ( الأحواز) موجود داخل النصوص نفسها، وإنَّ هذا الاسم الأخير وفق دراسة الباحث المقتدر العراقي صالح أحمد العلي هو الصيغة الأصلية، فيقول بكل أمانة علمية: “استُعمِلَت كلمة (الأحواز) بالحاء اسمًا لهذا الإقليم اعتمادًا على قول ياقوت الحموي إنَّ هذه هي الصيغة الاصلية، وإنَّ الفرس حوَّروها وجعلوها (الأهواز). (معجم البلدان 1/410) ومما يؤيد قول ياقوت أنَّ (الحوز) و(الأحواز)، وهما صيغتان عربيتان أصيلتان، لم تُذكرا إلَّا في هذا الإقليم، فإحياء الصيغة الأصلية الأحواز لا يعتبر تشويهًا أو تعسفًا”(2).

 وعن اسم الأحواز قال ياقوت الحموي الآتي: “الأهوَاز: آخره زاي ،وهي جمع هَوْز، وأصْله حَوْز، فلما كَثُرَ استعمالُ الُفرس لهذه اللفظة غيّرتها حتى أَذهبت أصلها جملةً لأنه ليس في كلام الفُرس حاءٌ مهملة، وإذا تكلموا بكلمة فيها حاءُ قلبوها هاءً فقالوا في حَسن هَسن ،وفي مُحَمَّد مُهَمَّد، ثم تَلَقَفَّهَا منهم العرب فَقُلِبتَ بحُكم الكثرة في الاستعمال، وعلى هذا يكون الأهواز اسماً عربيّاً سُميّ به في الإسلام، وكان اسمها في أيام الفُرس خُوزستان؛ وفي خوزستان مواضع يقال لكل واحد منها خوز كذا؛ منها خوز بني أسد وغيرها؛ فالأهواز اسم للكورة بأسره، وأما البلد الذي يغلب عليه هذا الاسم عند العامة اليوم فإنما هو سوق الأهواز؛ وأصل الحَوْز في كلام العرب مصدر حَازَ الرجلُ الشيءَ يَحُوزهُ  حَوزاً إذا حصله وملكه؛ قال أبو منصور الأزهَري: الحَوْز في الأرضين أن يتخذها رجلُ ويُبَيَّن حدودها فيستحقها فلا يكون لأحد فيها حقَّ فذلك الحوز، هذا لفظه حكاه شِمرُ بن حَمدُويه، وقرأتُ بعد ما أثَبَّتُه عن التَّوزيّ أنه قال الأهواز تسمَّى بالفارسية هُرْ مشير، وإنما كان اسمها الأخواز فعربَّها الناس فقالوا الأهواز، وأنشد لأعرابيّ:

لا تَرجِعَنَّ إلى  الأخواز ثانيةً قُعيَقِعان، الذي في جانب السُّوقِ

وقال أبو زيد [البلخي؟(3)]: الأهواز اسمها هُر مْزُشَهْر وهي الكورة العظيمة التي ينسب إليها سائر الكُوَر، وفي الكتب القديمة أن سابور بَنى بخوزستان مدينتين سمَّى إحداهما باسم الله عز وجل والأخرى باسم نفسه، ثم جمعهما باسم واحد وهي هُرمُزداد سابور ومعناه عطاءُ الله لسابور وسمّتها العرب سوق الأهواز يريدون سوق هذه الكورة المحوزة، أو سوق الأخواز بالخاء المعجمة، لأن أهل هذه البلاد بأسْرها يقال لهم الخوز وقيل:إن أول من بَنى الأهواز أردشير وكانت تسمَّى هُرمْز أردشير، وقال صاحب كتاب العين الأهواز سبع كُوَر بين البصرة وفارس، لكل كورة منها اسم ويجمعهن الأهواز ولا يُفْرَد الواحد منها بهَوْز”(4).

   وحسب وجهة نظرنا فإنَّ الغرض من استعمال اسم الأحواز، كونه الاسم الأصلي، هو تقوية الهوية العربية، والدلالة واضحة عند الكاتب (علي نعمة الحلو) والباحث(صالح أحمد العلي) بالرجوع إلى اسم الأحواز، ونرى أنَّ هذا يصبُّ في مواجهة الإيديولوجية القومية الفارسية، التي تدَّعي الأصالة وإرجاع كل شيء إلى الأصول، وهذا أكثر ملاءمة وفائدة كأداة، أعني اسم الأحواز، فهو يقدم وظيفة تساعد على تقوية الذات مقابل هجوم الآخر. ولهذا نؤكد على أنَّ أي كلامٍ آخر بشأن اسم الأحواز بدون مرجعية يتجاهل مهمة صناعة الهوية الوطنية، وهو مجرد تزييف واصطناع مشكلة ليس أكثر، وخاصة من يعتمد المرجعية الفارسية على صعيد النصوص أو مجال السياسة، كالقول: إنَّ اسم الأحواز يحمل اتجاه التحرير أو الانفصال، فهو قول ليس له معنى في تاريخنا. وإنَّ من يقول بهذا الرأي يتبنى مرجعية غير وطنية أحوازية بوعيٍ أو دون وعيٍ، جاهلًا معنى دلالة المعاني والنصوص الفكرية داخل كل مرجعية، وهو لا يختلف عن من ذهب إلى القول: إنَّ اسم الأحواز جاء به حزب البعث في العراق، فهو قول أساسه الجهل بالتاريخ والجهل بقراءة دلالة النصوص من حيث إنَّ ظهور اسم الأحواز كان في عام 1966م من جانب نعمة الحلو، ولم يكن البعث تسلم السلطة بعد وانفرد بها بالعراق هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ الكاتب الأحوازي جابر أحمد يَعُدُّ هذا الكلام جزافًا، حسب تعبيره، كون اسم الأحواز ظهر في فترة عبد السلام عارف حسب كلامه فيقول: “دخلت تسمية الأحواز القديمة إلى القاموس السياسي الأهوازي … أوائل الستينيات، حينما أصدر عدد من الكتّاب العراقيين، بعض الكتب… أهم هذه الكتب، كتاب بلاد الأحواز[علي نعمة الحلو]… إبانَّ الحقبة العارفية … أما من يريد أن يطلق تُهَمًا جُزافًا بأنَّ تسمية الأحواز هي من نسيج خيال البعثيين العراقيين، فنودُّ أن نلفت نظره إلى أنَّ مناهج الدراسية… في سورية، التي كان يحكمها البعث قبل استلامه السلطة في العراق بسنين، كانت تسمِّي هذه المنطقة باسم عربستان. كما أنَّ المؤلفات التي تحدثنا عنها قد صدرت قبل مجيئ حزب البعث للحكم في العراق”(5).

ونضيف قوًلا- إن مؤسس حزب البعث العربي الأشتراكي ميشيل عفلق استعمل اسم الأهواز وجاء هذا في نص المؤتمر التأسيسي الأول سنة 1947م، وهو الآتي:”الأمة العربية ودول العالم- ه- إيران التي اغتصبت منطقة الأهواز”(6)، والفرس نسبوا استعمال اسم الأحواز إليه في ذلك التاريخ(7)، وهذا غير صحيح، فهؤلاء نقلوا عن طبعات جديدة لمؤتمرات حزب البعث صدرت في السبعينات أو الثمانينات، فحدث فيها تصحيح اسم (الأهواز) إلى اسم(الأحواز)، منها الطبعة الجديدة في العراق سنة 1986م(8).

 إذن تبقى مشكلة الاسم عائمة، خاصة إذا تجاذبتها المنافع الفئوية الضيقة والأهواء والجهل المركب، وغياب الرؤية والمنهج، وإن الغرض من التأسيس على الأصول خدمة القضية المعاصرة، فهي وحدها تعيش الأزمة والمواجهة، وإذا صادفنا اسمًا ما لم يكن قد انشغل به الأوائل، فالسبب عائد ليس إلى الإهمال أو عدم الفهم، كلَّا، إنَّ السبب هو أنَّ الأوائل كانوا أصحاب السلطة والقرار، وهي لا شك تُغَذِّي الرؤية والمنهج الخاص عندهم. وأمَّا نحن اليوم فنحتاج إلى تأسيس رؤية / نهج يكون معاصرًا لنا ويخدم مشكلتنا الوطنية، وهذا هو الدرس الفكري والتاريخي الذي يجهل مقدماته الكثير بيننا.

الهوامش:

1 – علي نعمة الحلو- الأحواز “عربستان” دراسة لجغرافية الاقليم  الجزء الأول ص 15 الطبعة الثانية 1969م الناشر دار البصري بغداد.

2 – الدكتور صالح أحمد العلي، الأحواز في العقود الإسلامية الأولى، ص 4، مركز البحوث والمعلومات بغداد، طبع بمطبعة وأوفسيت العدالة – بغداد ، د،ت).

3- أبو زيد البلخي الفارسي- من جماعة فلسفة خراسان الفارسية المشرقية- أو من أسماهم ابن سينا الفارسي ب(المشرقيين) مقابل جماعة بغداد من المغربيين- أنظر تكوين العقل العربي الجابري- ص272-273، الطبعة الثامنة 2002 لبنان- مركز دراسات الوحدة العربية.

4– ياقوت الحموي معجم البلدان- الجزء الأول- دار صادر بيروت 1397 ه 1977م ص 284، 285.

5 – جابر أحمد ،عرب الأهواز واقعهم، طموحهم وتطلعهم نحو تقرير المصير، ص91، 92،الطبعة الأولى بيروت 2006، دار الكنوز الأدبية.

6 – نضال البعث المؤتمرات القومية من الأول 1947 حتى الثانى عشر 1992، المجلد الأول – الأمة العربية ودول العالم- ص 6.

7 – خرمشهر در جنك طولانى- نويسندكان- مهدى انصارى، محمد دروردبان، هادى نخعى  ص18، 19، جاب دوم، مركز مطالعات وتحقيقات جنك سباه باسدارى انقلاب اسلامى.

8 – شبلي العيسمي- حزب البعث العربي الأشتراكي مرحلة الاربعينات التأسيسة 1940- 1949 الجزء الأول، ص 158، دار الشؤون الثقافية العامة وزارة الثقافة والاعلام 1986، بغداد الطبعة السادسة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى